من القسم إلى الحقل: تجربتي في الفلاحة المستدامة

 من القسم إلى الحقل: تجربتي في الفلاحة المستدامة




التعليم والفلاحة عالمان يبدوان متباعدين في الظاهر، لكنهما في العمق يشتركان في قيم أساسية مثل الصبر، المثابرة، وتنظيم الجهد لتحقيق نتائج ملموسة. بصفتي أستاذاً في قطاع التعليم العمومي، وجدت في الفلاحة مجالاً ثانياً أمارس فيه شغفي بالأرض والطبيعة، وأستثمر فيه وقت فراغي خارج القسم. لم تكن الفلاحة بالنسبة لي مجرد نشاط جانبي أو مصدر رزق إضافي، بل تحولت إلى تجربة حياتية متكاملة تعلمت منها كيف أوازن بين المعرفة النظرية والعمل الميداني، وبين العقل واليد.



وصف المشروع الفلاحي

يقع مشروعي الفلاحي في أرض خصبة خصصتها لزراعة الزيتون وبعض المزروعات الموسمية والخضروات. ومنذ البداية، اخترت أن أبني هذا المشروع على أسس حديثة ومستدامة، فجهزت الأرض بما يلي:

الاعتماد على الطاقة الشمسية لتشغيل أنظمة الري بطريقة اقتصادية وفعالة.

حفر بئر مجهز لتأمين المياه الجوفية الضرورية لري المزروعات.

استعمال محرك كهربائي يعمل بالبوتان كخيار بديل للطاقة يضمن استمرارية العمل.

اقتناء جرار يدوي (موتوكولتور) لتسهيل أعمال الحرث والعناية بالتربة وتوفير الوقت والجهد.

شراء أجهزة مساعدة أخرى للغرس والتسميد والري، مما جعل العمل أكثر دقة وتنظيماً.

إقامة سياج محيط بالأرض لحمايتها من التعديات وضمان استقرار المشروع.

هذه التجهيزات جعلت العمل الفلاحي أكثر تنظيماً وأقل كلفة، كما ساعدتني على التحكم في الموارد وتحقيق إنتاجية أفضل.

القيمة المضافة للتجربة

إن هذا المشروع لا يقتصر على الجانب الإنتاجي، بل أسهم أيضاً في تعزيز وعيي بأهمية الموارد الطبيعية. لقد تعلمت أن الماء ثروة ينبغي الحفاظ عليها، وأن الطاقة المتجددة ليست ترفاً بل ضرورة ملحّة لمستقبل أفضل.

كما أن إضافة الجرار اليدوي والأجهزة الحديثة والسياج عززت من فعالية المشروع، وحولت العمل في الحقل إلى تجربة أكثر أماناً وانضباطاً، وجعلت منه نموذجاً صغيراً للفلاحة العصرية المستدامة.

البعد التربوي للفلاحة

الفلاحة بالنسبة لي ليست مجرد عمل، بل هي مدرسة أخرى تُعلّم الصبر، التنظيم، وحب الأرض. إنها امتداد لدوري التربوي في القسم، حيث أحرص على نقل هذه القيم إلى تلامذتي، مبيناً لهم أن التعلم لا يقتصر على الكتب والفصول، بل يمكن أن يكون في الحقل أيضاً.

وهكذا، وجدت أن الجمع بين التعليم والفلاحة يفتح آفاقاً جديدة للتربية على الاستدامة وترسيخ القيم البيئية لدى الناشئة.


الصور والتوثيق

توثيق التجربة بالصور (حقل الزيتون، الألواح الشمسية، الجرار اليدوي، السياج) يضيف مصداقية أكبر ويجعل القارئ يلمس العلاقة الوثيقة بين التخطيط والتنفيذ. فالمشروع لم يعد مجرد فكرة، بل أصبح واقعاً ملموساً.

أهداف المشروع والصفحة

من خلال هذه الصفحة أسعى إلى:

إبراز هويتي المتعددة كأستاذ وفلاح في آن واحد.

إلهام القراء بأن مهنة التعليم لا تمنع من خوض تجربة استثمارية ناجحة.

تبادل الخبرات حول الطاقة الشمسية، تقنيات الري، واستعمال الأدوات الفلاحية الحديثة.

خاتمة

إن تجربتي "من القسم إلى الحقل" هي انعكاس لقناعة راسخة مفادها أن الإنسان قادر على الجمع بين أدواره المتعددة إذا أحسن تنظيم وقته واستثمر موارده بحكمة. لقد منحتني الفلاحة فرصة لاكتشاف ذاتي من جديد، كما منحتني دروساً حياتية لا تقل قيمة عن الدروس التي أقدمها في القسم.

إنها دعوة لكل قارئ إلى أن يوازن بين ما يتعلمه نظرياً وما يمكن أن يطبقه عملياً، وأن يجعل من الأرض مختبراً للتجربة والمعرفة، تماماً كما هي المدرسة فضاءً للتعليم والتربية.

"الأرض كالأستاذ، تعطيك بقدر ما تمنحها من صبر وعناية."

بقلم: ذ/ لفريحي المصطفى



Post a Comment

Previous Post Next Post