كأس العالم 2030 بين رهانات التنمية ومخاطر المديونية: قراءة نقدية .

 كأس العالم 2030 بين رهانات التنمية ومخاطر المديونية: قراءة نقدية .

بقلم ذ/ لفريحي المصطفى



يشكل تنظيم كأس العالم 2030 حدثًا استثنائيًا في تاريخ المغرب، إذ يُنظر إليه باعتباره مناسبة لتعزيز صورة البلاد على المستوى الدولي وإبراز قدرتها على احتضان تظاهرات كبرى. غير أنّ هذا الرهان الرياضي يثير نقاشًا واسعًا حول أولويات الاستثمار وجدوى تخصيص موارد مالية ضخمة لحدث ظرفي في ظل تحديات اقتصادية واجتماعية بنيوية. فالسؤال المركزي الذي يفرض نفسه هو: هل يمكن لمثل هذه التظاهرات أن تتحول إلى رافعة حقيقية للتنمية، أم أنها مجرد "احتفالية مكلفة" تعمّق المديونية وتؤجل الإصلاحات الهيكلية الضرورية؟

أولاً: الكلفة الاقتصادية والعائد المحدود

تشير التقديرات إلى أنّ كلفة تنظيم كأس العالم 2030 قد تتجاوز 4 مليارات دولار، في حين أن العائد المباشر لا يتعدى 1.5 مليار دولار. هذا الخلل بين النفقات والمداخيل ليس جديدًا، بل تؤكده تجارب دول أخرى:

البرازيل (2014): إنفاق يفوق 15 مليار دولار مقابل عوائد لم تتجاوز 3 مليارات (FIFA, 2015).

جنوب إفريقيا (2010): إنفاق قدره 3.9 مليارات دولار بينما ظلّت العوائد ضعيفة (Allmers & Maennig, 2009).

تدل هذه التجارب على أنّ الجدوى الاقتصادية المباشرة لتنظيم كأس العالم غالبًا ما تكون ضعيفة، ويُبرَّر الاستثمار باعتباره مكسبًا في "الصورة الدولية" أكثر من كونه ربحًا ماليًا مباشرًا.

ثانياً: إشكالية المديونية والرهان الخطير

بلغت المديونية العمومية في المغرب حوالي 74% من الناتج الداخلي الخام (World Bank, 2024)، مع توقعات ببلوغها عتبة 100% بحلول 2030. هذه الوضعية تنطوي على مخاطر جدّية، أبرزها:

ارتفاع كلفة الفوائد التي تثقل كاهل المالية العمومية.

اللجوء إلى بيع الأصول الوطنية (شركات عمومية، أراضٍ، موارد طبيعية).

تعميق التبعية للمؤسسات المالية الدولية.

وتؤكد الأدبيات الاقتصادية (Krugman, 1988) أنّ البلدان التي تدخل في "حلقة الدين" تفقد تدريجيًا استقلال قرارها الاقتصادي وتخضع لإملاءات المقرضين.

ثالثاً: رأس المال البشري في مواجهة الاستثمار الرياضي

يشكل سكان القرى حوالي 37% من ساكنة المغرب، ولا تزال معدلات الأمية مرتفعة، ما يضعف الإنتاجية الوطنية. وفق نظرية رأس المال البشري (Becker, 1964)، الاستثمار في التعليم والتكوين المهني يحقق مردودية اجتماعية واقتصادية أعلى بكثير من الاستثمار في بنى تحتية رياضية ظرفية.

من هذا المنطلق، فإنّ التركيز على الملاعب دون موازاة بسياسات تعليمية وصناعية يعمّق الفجوة ويحوّل الكلفة المالية إلى "دين مؤجَّل" على الأجيال المقبلة بدل أن يكون استثمارًا منتجًا.

رابعاً: التحديات الجيو-اقتصادية وحماية السيادة

تطرح الموارد الطبيعية للمغرب، خصوصًا المعادن النفيسة في الصحراء، إشكالية استراتيجية في سياق تنافس عالمي محتدم. فبينما تهيمن الصين على 80% من سوق المعادن الإستراتيجية (IEA, 2023)، تسعى الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي إلى تنويع مصادر التزوّد عبر إفريقيا.

إن غياب سياسة وطنية صارمة لحماية هذه الثروات قد يجعل البلاد عرضة لاختراقات أجنبية عميقة تمسّ جوهر السيادة الاقتصادية، وهو خطر يتجاوز رهانات كأس العالم ليطرح سؤال الاستقلال الاستراتيجي.

خامساً: التنمية الاجتماعية الغائبة

لا يمكن للبنية التحتية الرياضية وحدها أن تصنع التنمية. التجارب المقارنة تظهر أن الدول التي نجحت في جعل الرياضة رافعة اقتصادية (مثل ألمانيا) اعتمدت أساسًا على:

سكن اقتصادي ميسور يمكّن الشباب من تأسيس أسر.

منظومة تعليمية قوية ترفع الإنتاجية.

سوق عمل ديناميكي يستوعب الطاقات الجديدة.

غياب هذه العناصر في السياق المغربي قد يؤدي إلى ما يعرف بـ"الملاعب البيضاء"؛ منشآت رياضية ضخمة بلا مردودية اجتماعية أو اقتصادية.

تنظيم كأس العالم 2030 يمثل بلا شك فرصة استثنائية للمغرب لتسويق صورته دوليًا. لكن هذه الفرصة قد تتحول إلى عبء إذا لم تُواكبها إصلاحات هيكلية في مجالات التعليم، الصحة، السكن، والتشغيل. فالخيار الحاسم واضح:

الاستثمار في الإنسان يحول البنية الرياضية إلى قيمة مضافة.

الرهان على البنية التحتية وحدها قد يفتح الباب أمام سنوات من الأعباء المالية والرهانات الخاسرة.

إنّ التنمية الحقيقية لا تختزل في حدث رياضي، بل تقوم على بناء اقتصاد منتج ومجتمع متماسك، قادر على استيعاب صدمات المستقبل وصياغة مسار مستقل في مواجهة الضغوط الدولية.


#المغرب

#كأس_العالم_2030

#الاقتصاد_المغربي

#المديونية

#التنمية_الاقتصادية

#WorldCup2030

#HumanCapital

المراجع

Allmers, S., & Maennig, W. (2009). Economic impacts of the FIFA Soccer World Cups in France 1998, Germany 2006, and outlook for South Africa 2010. Eastern Economic Journal.

Becker, G. (1964). Human Capital. Columbia University Press.

FIFA (2015). Financial Report 2014.

International Energy Agency (IEA). (2023). Critical Minerals Market Review.

Krugman, P. (1988). Financing vs. forgiving a debt overhang. Journal of Development Economics.

World Bank. (2024). Morocco Economic Monitor.




Post a Comment

Previous Post Next Post